جورتن نيوز
جورتن نيوز موقع إخباري شامل تتابعون فيه مستجدات الأحداث المحلية العربية والعالمية على مدار الساعة، وتغطية مستمرة لأخبار الرياضة والتقنية والتكنولوجيا.

هل يجوز الاحتفال بالكريسماس وعيد الميلاد المجيد للمسلمين ؟

هل يجوز الاحتفال بالكريسماس للمسلمين حيث أجابت وزارة الأوقاف على سؤال هل يجوز مشاركة المسيحيين وأهل الكتاب في أعيادهم مثل عيد الميلاد المجيد وإظهار الفرح وبذل الهدايا والتهاني

نشرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، إجابة على سؤال حول هل يجوز الاحتفال بالكريسماس للمسلمين، والاحتفال مع أهل الكتاب في عيد الميلاد المجيد والمناسبات الدينية.

وجاء توضيح سؤال هل يجوز الاحتفال بالكريسماس للمسلمين، من وزارة الأوقاف في غزة على لسان الأستاذ دكتور سلمان بن نصر الداية أستاذ علم الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية، وفيما يلي نصه.

هَلْ يَجُوزُ مُشَارَكَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَإِظْهَارِ مَظَاهِرِ الْفَرَحِ، وَبَذْلِ الْهَدَايَا وَالتَّهَانِي فِيهَا؟

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَبَعْدُ:

فَإِنِّي أَشْكُرُ لِإِخْوَتِي الْكُرَمَاءِ فِي وَزَارَةِ الْأَوْقَافِ وَالشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ عَلَى إِعَانَتِهِمْ لَنَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ تَثَاقُلِنَا وَضَعْفِ هِمَّتِنَا فِي مَيْدَانِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالْفَتْوَى الَّتِي تَدْفَعُ حَيْرَةَ السَّائِلِ، وَتُزْهِرُ مَسِيرَتَهُ بِنُورِ الْعِلْمِ.

وأما عن الإجابة عن السؤال المقدم من وزارتكم الرائدة؛ فأقول متجرداً من حولي وقوتي، ومستعيناً بحول الله وقوته:

لَقَدْ حَفِظَ الْإِسْلَامُ حَقَّ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ، فَجَاءَتْ بَعْضُ أَحْكَامِهِ تُرَغِّبُ بِعِيَادَتِهِمْ، وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنِ الْمُلَابِسِ الْمَحْظُورِ، وَتَلْبِيَةِ غَوْثِهِمْ، وَمُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَالِ مِنْ مَفْقَرَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَلَمَّتْ أَوْ ضَرُورَةٍ حَلَّتْ، وَالْوِصَايَةِ بِحِفْظِ مَصَالِحِهِمْ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ فِي عِيَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: (أَسْلِمْ)، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ) [أخرجه: البخاري في صحيحه].

وَعَنْه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في إجابة دعوتهم: “أَنَّ يَهُودِيّاً دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، فَأَجَابَهُ” [صحيح، أخرجه: أحمد في مسنده].

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ فِي تَلْبِيَةِ غَوْثِهِمْ: “إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُقَاتِلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، إِلَّا عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ” [ضعيف، أخرجه: البزار في مسنده].

وَعَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ ؒ فِي مُوَاسَاتِهِمْ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الصَّدَقَةِ فِي مَنْ تُوضَعُ؟ فَقَالَ: فِي أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلِ ذِمَّتِهِمْ، وَقَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقْسِمُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْخُمُسِ) [أخرجه: ابن أبي شيبة في مصنفه].

وَعَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَيْخًا، يَسْأَلُ، فَقَالَ: «مَالَكَ؟» فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَالٌ وَأَنَا تُؤْخَذُ مِنِّي الْجِزْيَةُ، قَالَ: وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ: «مَا أَنْصَفْنَاكَ إِنْ أَكَلْنَا شَبِيبَتَكَ، ثُمَّ نَأْخُذُ مِنْكَ الْجِزْيَةَ»، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَلَّا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ شَيْخٍ كَبِيرٍ” [أخرجه: ابن زنجويه في كتاب الأموال].

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي الْوِصَايَةِ بِهِمْ، قَالَ: “أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ” [أخرجه: البخاري في صحيحه].

وَجَاءَتْ بَعْضُ أَحْكَامِّ الْإِسْلَامِ تَمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِمْ، وَالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَأَنْفُسِهِمْ، وَأَعْرَاضِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ؛ من ذلك:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8].

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ، فَاخْرُجْ مِنْهَا) [أخرجه: مسلم في صحيحه].

وَعَن بُرَيدة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لأَهْلِ الذِّمَّةِ مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَرَضِيهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَعَبِيدِهِمْ وَمَاشِيَتِهِمْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلاَّ الصَّدَقَةُ) [أخرجه: البزار في مسنده].

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) [أخرجه: مسلم في صحيحه].

وَعَنْ صَفْوَانِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [صحيح، أخرجه: أبو داود في سننه].

وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَجَدَ رَجُلًا وَهُوَ عَلَى حِمْصَ يُشَمِّسُ نَاسًا مِنَ الْقِبْطِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) [صحيح، أخرجه: أبو داود في سننه].

وَعَنْ أَبِي بَكَرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا، حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَجِدَ رِيحَهَا) [صحيح، أخرجه: أحمد في مسنده].

وَعَنْ رَجُلٍ، مِنْ جُهَيْنَةَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَعَلَّكُمْ إِنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا فَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ فَيَتَّقُونَكُمْ بِأَمْوَالِهِمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَيُصَالِحُوكُمْ، فَلَا تُصِيبُوا مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ) [أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه].

وَقَدْ عُلِمَ بِدَلِيلِ الْوَحْيِ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا قَدْ خَصَّ كُلَّ أُمَّةٍ بِشِرْعَةٍ، وَأَمَرَهُمْ بِمُرَاعَاتِهَا، وَامْتِثَالِ أَحْكَامِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48].

وَلَقَدْ أَوْحَى اللهُ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيعَةٍ خَاتَمَةٍ، وَأَقَامَهَا نَاسِخَةً لِلشَّرَائِعِ قَبْلَهَا؛ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَلَّا يَدِينَ النَّاسُ بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَبَاً كَانُوا أَوْ عَجَمَاً، أَهْلَ كِتَابٍ أَوْ أَهْلَ وَثَنٍ إِلَّا بِهَا، وَأَنْ يَدَعُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شَرَائِعَ وَضَلَالَاتٍ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ: (أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي) [حسن، أخرجه: أحمد في مسنده].

وَالْوَاقِعُ عَلَى مَدَى الْأَزْمَانِ، وَاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَالْأَمْصَارِ يَشْهَدُ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّقَ وَآمَنَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَ وَأَبَى.

فَأَمَّا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَوْا شَرِيعَتَهُ؛ لَمْ يَزَالُوا عَلَى دِينِهِمْ وَشَرِيعَتِهِمْ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا الَّتِي أَوْحَى اللهُ لِرُسُلِهِمْ بِهَا، أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَعَةً وَمُحَرَّفَةً، وَمِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِ شَرِيعَتِهِمُ الْأَعْيَادُ، وَالْعِيدُ يَتَأَلَّفُ مِنْ عِبَادَةٍ وَعَادَةٍ، مَا يَعْنِي أَنَّهُ تَوْقِيفٌ عَلَى الشَّارِعِ، وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَحْيِهِ الْمُنَزَّلِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا ضَيَّعُوا ذَلِكَ وَاسْتَحْدَثُوا غَيْرَهُ، أَوْ أَنَّهُمْ أَبْقَوْهُ وَأَضَافُوا إِلَيْهِ غَيْرَهُ.

وَقَدْ ذَكَرْتُ آنِفَاً أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ نَاسِخَةً لِلشَّرَائِعِ قَبْلَهَا، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ نُصَلِّي بِصَلَاتِهِمْ، أَوْ أَنْ نَصُومَ بِصِيَامِهِمْ، أَوْ نَحُجَّ بِحَجِّهِمْ، أَوْ نُعَيِّدَ بِأَعْيَادِهِمْ، فَيَتَقَرَّرُ بِهَذَا عَدَمُ جَوَازِ الِاحْتِفَالِ بِأَعْيَادِهِمْ، وَلَا إِظْهَارِ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْعَوَائِدِ وَالطُّقُوسِ، وَلَا الْمُجَامَلَاتِ بِبَذْلِ الْهَدَايَا وَنَحْوِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: الزُّورُ هُنَا أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ وَكَنَائِسُهُمْ. [مكي بن أبي طالب/الهداية الى بلوغ النهاية (8/ 5264)، القرطبي/تفسيره(13/79)].

وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ: يَعْنِي أَعْيَادَ الْمُشْرِكِينَ. [تفسير البغوي (6/ 98)].

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ وَلَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ) [صحيح، أخرجه: أحمد في مسنده].

مِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ: مَنْعُ مُشَارَكَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِهِمْ، سَوَاءٌ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ أَوْ غَيْرَهُمْ، لَا بِالْعَمَلِ الظَّاهِرِ، وَلَا بِرِضَا الْقَلْبِ الْبَاطِنِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَرَفَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْلَّعِبِ، وَإِبْدَاءِ الْفَرَحِ فِي أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى عِيدَيْنِ شَرْعَاً بِوَحْيٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ أُذِنَ لَهُمْ بِفُسْحَةٍ مِنَ الْمُبَاحِ فِيهِمَا، وَهُمَا عِيدُ الْفِطْرِ، وَعِيدُ الْأَضْحَى، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِيَسْتَقِلَّ الْمُسْلِمُ عَنْ غَيْرِهِ فِي أَمْرِ الْعِيدِ.

عَلَى أَنَّ الْمُشَارَكَةَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي عِيدِهِمْ لَا تَنْحَصِرُ فِي إِبْدَاءِ طُقُوسِ الْعِيدِ مَعَهُمْ، مِنْ لُبْسِ الْجَدِيدِ، وَإِبْدَاءِ الزِّينَةِ، وَإِشْعَالِ الْفَوَانِيسِ، وَإِيقَادِ الشُّمُوعِ، وَسَمَاعِ الْغِنَاءِ، وَإِطْلَاقِ الْمُفَرْقَعَاتِ، وَالتَّنَزُّهِ فِي الْحَدَائِقِ، وَبُيُوتِ الضِّيَافَةِ؛ بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى صُنْعِ الْحَلْوَى فِي الْبُيُوتِ، وَبَيْعِهَا فِي الْمَطَاعِمِ عَلَى أَشْكَالِ (الْبَابَا نُوَيْلٍ)، وَإِلَى بَيْعِ الصَّلِيبِ، وَشَجَرَةِ الْمِيلَادِ، وَالتَّبَاهِي بِهَا، وَالْتِقَاطِ الصُّوَرِ وَالرَّقْصِ حَوْلَهَا، وَلَسْنَا نَقْصِدُ مِنْ ذَلِكَ: أَنْ نُذَرِّعَ لِلْفُرْقَةِ، أَوْ نُمَهِّدَ لِلْعَدَاوَةِ وَالْخِلَافِ؛ بَلْ مَا نَقْصِدُ إِلَيْهِ: أَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُ مِنَ الْإِثْمِ فِي الْمُشَارَكَةِ بِبَوَاعِثِ الْعَوَاطِفِ غَيْرِ الْمُنْضَبِطَةِ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ، أَوِ الْمَغْنَمِ الْمَالِيِّ مِنْ بَيْعِ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلِيَتَقَرَّرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِ الْحَفَاوَةُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَالِاغْتِبَاطِ بِهِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى أَحْكَامِهِ، وَالَّذِي جَاءَ نَاسِخَاً لِلْأَدْيَانِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ.

وَلَا يُمْنَعُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ إِبْدَاءِ فَرْحَتِهِمْ بِأَعْيَادِهِمْ، وَإِظْهَارِ طُقُوسِهِمْ وَعَوَائِدِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ، وَصَالَاتِهِمْ، وَنَوَادِيهِمْ، وَدُورِ الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ بِهِمْ؛ ضِمْنَ مُرَاعَاةِ الْآدَابِ، وَأَسْبَابِ السَّلَامَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُقَرِّرُهَا دِينُنَا، وَيُعْنَى بِهَا أَهْلُ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَإِدَارِةِ شُؤُونِ بَلَدِنَا الْعَزِيزِ.

وَإِنِّي إِذْ أُذَكِّرُ بِهَذَا؛ لَأَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الْهِدَايَةَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ بَلَدَنَا مِنْ هَذَا الْوَبَاءِ، وَمِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَدَاءٍ؛ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَمَوْلَاهُ.

وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.

كَتَبَهُ / أ. د. سلمان بن نصر الداية

أستاذ الفقه وأصوله بالجامعة الإسلامية

الأربعاء 1 جماد أول 1442هـ

الموافق: 16/12/2020م

اقرأ ايضاً

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.